تاثير المزيج الصحراوي.. مقال بقلم سعد عبد الغفار

مقال فني
تاثير المزيج الصحراوي والافريقي ميز الاغنية السودانية ومنحها طابعا بيئيا واضحا
عرف السودانيون الغناء نهاية عشرينات القرن الـ 20 من خلال اغنيات الحقيبة التي ركزت كلماتها على جمال المراة لكن سرعان ما برز هذا الفن كواحد من اسلحة النضال ضد الاحتلال البريطاني وتحرير المراة السودانية ثم شق طريقه في وجدان الشعب السوداني ليسهم في تفعيل حركة التواصل بين مختلف مكونات المجتمع مما اثر في تعميق الترابط بين القبائل السودانية والتعريف بالسودان وانسانه خارجيا
ان الاغنية السودانية ظلت قيد الوجود على مر الحقب التاريخية للسودان غير ان تاريخ الغناء السوداني بدا تدوينه بعد اختراع الفونوغراف والاسطوانة حيث نشا ما يعرف بـ اغنية الحقيبة وهي تمثل امتدادا وتطويرا طفيفا لما سبقها من غناء
وفيما تشابهت الحان كثير من الاغنيات برز خلال هذه الحقبة صوت الشعر الغنائي حيث انعكس تاثير التعليم القرآني واطلاع الشعراء على امهات كتب الادب والتاريخ العربي واكتسى شعر الحقيبة بمسحة بدوية ترسم صورا زاهية لحياة بادية السودان وتطور الحياة الريفية – المدنية في ام درمان التي كانت موطن غالبية شعراء الحقيبة وانصرف عدد من شعراء الحقيبة لوصف جمال المراة بدرجة تصل الى الحسية في احيان كثيرة
وبعد افتتاح الاذاعة السودانية في عام 1940 ظهرت الاغنية المعاصرة التي واكبها ادخال الالات الموسيقية الغربية كالكمان والأكورديون والفلوت وبدات تظهر اتجاهات المؤلفين الموسيقيين كما سمت نظرات الشعراء الى مصاف العناية بالقضايا الوطنية وعلى راسها النضال ضد الاستعمار البريطاني والدعوة الى الاستقلال وتحرير المراة السودانية
وفي منتصف خمسينيات القرن العشرين ازدهر الغناء السوداني حتى اصبح ذلك العقد يسمى العصر الذهبي للغناء خصوصا بعد بروز مدارس فنية تمثلت في اصوات الفنانين حسن عطية واحمد المصطفى والتاج مصطفى وابراهيم الكاشف وعبد الحميد يوسف وغيرهم
لقد وجد الغناء دفعة قوية بعد افتتاح معهد الموسيقى والمسرح السوداني في عام 1969 وتخرج اجيال من الموسيقيين والمطربين الذين عززوا مدارس التاليف والتلحين والاداء الغنائي منه
واعتبارا من نهاية ستينيات القرن الماضي بدا يبرز تيار الشعر الهادف لتوظيف الغناء للقضايا السياسية والاجتماعية كمقاومة الانظمة العسكرية والدعوة لتسهيل الزواج وظهر ايضا اثر الصراع الفكري حول هوية السودان والعروبة والافريقانية من خلال ما تغنى به كبار فناني السودان لشعراء ما يسمى بمدرسة الغابة والصحراء الداعين الى المزج بين عنصر العروبة الصحراء والافريقانية الغابة مشيرا الى ان للفنانين السودانيين مساهمات خارجية كبيرة بدات منذ الحرب العالمية الثانية حين استعان البريطانيون بالمطربين السودانيين للترفيه عن القوات السودانية في ليبيا واريتريا ابان المعارك ضد قوات المحور الالماني – الايطالي كما ان انتشار مجموعات الطلاب السودانيين في جامعات الغرب ودول المعسكر الشرقي سابقا ادى الى دعوة عدد كبير من المطربين والموسيقيين السودانيين للمشاركة في الاحتفالات في تلك البلدان
اما على الصعيد العربي فعلى الرغم من محاولات الفنانين السودانيين خلق تواصل مع جماهير المستمعين العرب الا ان الطبيعة الخاصة بالسلم الخماسي السائد في السودان لا تزال تمثل حاجزا يحول دون تفاعل كبير بين السودانيين والعرب
وباستثناء ما كانت تنقله السينما المصرية من افلام لكبار الفنانين المصريين فان الموسيقى السباعية العربية لا تجد قبولا كبيرا في السودان وحتى في الاماكن التي تنتشر فيها موسيقى ذات طابع عربي في السودان خصوصا في منطقة كردفان ودارفور فهي اقرب الى موسيقى وغناء جنوب الجزيرة العربية منها الى الشرق العربي
وجرت محاولات لم تتوقف منذ عقود لايجاد رابط قوي بين الموسيقى العربية والسودانية لكن الفطرة الموسيقية السودانية على الموسيقى الخماسية تتقبل الموسيقى الشرقية ببطء شديد
وتميزت الموسيقى السودانية
بدورها الانعكاسي في تعدد قبائل السودان ولهجاته ولغاته على الشخصية السودانية المتسامحة والمرحبة بالغرباء والقادرة على التعايش مع الاخرين .
سعد عبد الغفار
المصادر :
اعداد سابقة من :
مجلة التراث السوداني
نشرة صادرة عن البيت الثقافي السوداني في اندرمان
الكاتبة هبة الدسوقي