في طريق العودة.. قصه بقلم محمد عبد الكريم الوصيف

قصص من أطياف الذاكرة (33)
في طريق العودة.
مكث مكرم بمطار اورلي برهة من الزمن عند مغادرة صفية. بقى يتابعها بنظراته وهي تتجه الي قاعة ركوب الطائرة ثم توقفت أمام المدخل والتفتت لتلوح له بيدها تحية الوداع ورفع يده يبادلها بالتحية. مع نزول يده بعد التخية اندفعت الي داخل الممر بسرعة…
عادت اليه الوحدة وعاد إليها خلال تلك الثواني في أجواء ذالك المطار الدولي. مكان دولي تنعدم فيه صورة المجتمع الضيقة وتفتح فيه نافذة على الكون بفضائه الرحب. يتنفس فيه المسافر أنفاس الحرية ويترك فيه قيود المجتمع الي حين و يضعها على صفحات الجواز الذي يحمله مع حقائب السفر. ثم ينطلق بعيدا في الأجواء والبحار….
في الأجواء العالمية والمياه الدولية في ملك الله الواسع.. ََ
وفي الأرض مناي للكريم عن الاذى
وفيها لمن خاف القلى متعزل….
(الشنفري)
لقد علمته صفية الطيران بمفرده وحاولت ان تطمئن عليه بعدها…
لقد اوصت صاحب الفندق وزوجته للعناية به بعدها حتى يغادر الي تونس بعد ثلاثة أيام عن طريق مرسيليا بالباخرة.
لقد فضل ان يجرب الباخرة في طريق العودة. في المطار احس بوحدة خانقة اكبر مما كان ينتظر. حاول أن يتاسي ويتصبر . ولكنه كان يشعر بأن توازن خطاه قد تغير، واختلف نسقها ووقعها على الأرض وان هنالك ظل كان يسير بجانبه في الطريق أينما سار في اروبة وانفاس يشعر بها في اوقات التعب والراحة تلازمه وتتنقل معه.. هذا المطار الذي كان رمز الحرية اصبح رمز الفراق والبعد أيضا. ومن الأسماك ما يجنح الي الشاطئ ويتوقف سيره ويحاول المصطافون من البشر اعادته الي مياه البحر فيعود بعضه وتتقطع السبل بالبعض الاخر…
غادر المطار وهو يود ان لا يعود اليه كما لا يود ان يرى الطائرات العملاقة التي لم يكن له فيها نصيب..
غادر المطار وهو لا يعلم بأنه سيعود الي المطارات والاسفار والطائرات رغم انفه كل صيف لعشرات السنين…َ
حملته خطاه الي الفندق وحاول النوم فلم يقدر ففكر في مغادرة الفندق والبقاء مع بعض معارفه الذين يعملون بباريس منذ زمن طويل دون عائلات….
سيبقى ثلاثة أيام بباريس يحمل قلبه بين كفيه عسى الله أن يحدث بعد ذالك أمرا….
حاول صاحب الفندق وزوجته مواساته ولكنه طلب منهما الاتصال بأحد أصدقاء الطفولة الذي كان يعمل مندوب مبيعات بباريس .
وفي المساء اتاه ابراهيم بسيارته وحمله الي مقر أصدقائه من العملة التونسيين بباريس في إحدى ضواحي باريس. ومعهم سيجد بعض الإنس والأحاديث المستمرة التي ستنسيه أحاسيس الفراق لبعض الوقت…. (يتبع)
تونس في 10/8/2022
محمد عبد الكريم الوصيف