عبد الجبار الدراجي.. مقال فني بقلم سعد عبد الغفار

مقال فني

عبد الجبار الدراجي مطرب الاغنية الريفية التي لامست ذوق البغداديين

في جانب الكرخ من بغداد ولد عبدالجبار الدراجي عام 1936، وفي الثالثة والعشرين من عمره بدا أن الحظ قد حالفه حين وضعته اغنيته الاولى تانيني صحت عمي يا جمال على سلم الشهرة ، لقد صارت تلك الاغنية هي لازمة لكل غنـــاء في كل مكان مثلهــا مثل لا خبر لفاضل عــواد او يا نجمة لحسين نعمة او يا طيـــور الطايرة لسعـــدون جابر

اما حين غنى المطرب المصري اسماعيل شبانة اغنيته نازل يا قطار الشوك فقد بدا واضحا ان لاداء الدراجي امكانية على استدراج الاخرين الى الاعجاب به وتقليده

ان البعض يؤكد ان اغنية خي لا تسد الباب التي غنتها فائزة احمد وهي من الحان رضا علي كان الدراجي هو اول من غناها ، غير ان الدراجي لم يسعفه الحظ في الغناء خارج العراق ، كما حدث من قبله مع ناظم الغزالي ومن بعده مع فاضل عواد حيث بقي مطربا محليا ولم يتوقف عن الغناء حتى عام 2004 حين فجع بموت ابنه ، فكانت تلك بداية غربته التي قضاها في الاردن الى ان توفاه الله

سيرة الدراجي في الغناء هي عبارة عن مجموعة متلاحقة من الاغنيات الناجحة التي ينطوي نجاحها على حس فطري عميق بالكلمة كما في اللحن ، صحيح ان صوت الدراجي لم يكن خارقا في تميزه غير ان تميز الدراجي كان يكمن في ادائه التلقائي المشحون بالعاطفة التي يغلب عليها طابع السؤال الرجولي

ان كل اغنية منه كانت وقفة في تاريخ الغناء العراقي ، لم يغن الدراجي اغنية لم تأخذ حقها من الشهرة : ما ريد الما يردوني علمتني اشلون احبك دكتور جرح الاولي عوفه شكل للناس لو عنك يسألوني وصبحة اضافة الى اغنيته نازل يا قطار الشوك وعلمتني اشلون احبك

لم يكن مطلوبا من الدراجي ان يبتكر اغنية عراقية جديدة ، كانت بغداد حين ظهر الدراجي تعج بمبدعيها الكبار : عباس جميل وناظم الغزالي ورضا علي ومائدة نزهت وعفيفة اسكندر ووديع خونده وناظم نعيم ومحمد نوشي ، وكلهم بغداديون اصلاء ، فما الذي يمكن ان يفعله مطرب ريفي هناك ؟

ان غناء عبدالجبار الدراجي كان نوعا من التبغدد ، وهو الدرس الذي كان صعبا بالنسبة الى الكثير من الملحنين والمطربين الذين ظهروا في سبعينيات القرن العشرين والذين اثر ظهورهم نهاية الحقبة البغدادية في الغناء ، ليسود بعدها غناء ريفي اعاد العاطفة العراقية الى سابق عهدها في الحزن

احدث عبدالجبار الدراجي شقا في جدار الاغنية العراقية ، تسلل من خلاله الريف الى المدينة ، لكن بحذر انيق ، وكان المعنى كله يكمن في خلق اغنية مدنية لا تنسى من يقيمون في الهامش ، وهم عشاق حقيقيون ومبتكروا حقائق جديدة في الحياة العراقية التي كانت يومها مفتوحة على الامل

لقد تمكن من ان يتسلل الى الاغنية البغدادية بأبجدية غنائه الريفي ، كان معلوما بالنسبة الى كبار الغناء البغدادي ان تلك المحاولة انما تنطوي على اضافة قد لا يكون الدراجي نفسه مدركا لاسرارها وهو ما حدث فعلا ، كان الوجدان البغدادي قد تمدد بتأثير مباشر من لغة ريفية متأنقة ، اصابها الغرام البغدادي بسحره ، كان صوت المغني يقول مثلما علمتني الحب عليك ان تعلمني النسيان

رحل عبدالجبار الدراجي في الاردن عام 2015 غريبا وفي قلبه الشيء الكثير عن بغداد ، التي كان واحدا من صانعي عاطفتها

لقد كان له الدور المهم في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي بتاسيس فرقة تابعة للاذاعة والتلفزيون العراقية ضمت عدد من كبار المطربين الريفيين قدمت الغناء الوطني وحققت انتشارا واسعا انذاك .

الذكر الطيب له

سعد عبد الغفار

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.