قطار الزمن.. رواية الفصل الثالث بقلم محمد عبد الكريم الوصيف

الباب السابع
الفصل الثالث
رواية قطار الزمن
عاد مكرم من المعهد الي منزله المجاور فاستقبلته سعاد وهي تطوف بأرجاء الحديقة في حيرة وتنادي دجاجاتها وديكها غير ابهة بوصوله وهو يحمل محفظته التي حافظ عليها وهو يغادر المعاهد التونسية الي معاهد جزر القمر.
فالمحفطة الجلدية البنية اللون برفوفها الداخلية وازرارها الفضية وقفليها على اليمين وعلى اليسار رمزا من رموز هويته وفخرمهنته وشعار نبله رغم فقره وقلة ماله..
ولكنه يكتفى بما تدر عليه هاته المهنة بما يستره ويضمن كفاية نفقاته دون تبذير وتغنيه عما يراه في المجتمع من تكالب وصراعات على الدنيا وترفها في جشع احيانا لا مبرر له سوي عدم القناعة حسب رأيه…
وهاهي الدنيا تبتسم له بما لم يكن يحلم به من مال سيمكنه من تحقيق بعض أحلامه البسيطة من سكن وسيارة.. ولكن ما يشغله الان هو حيرة سعاد وهي تشاهد الديك والدجاجات وتجول ببصرها أرجاء الحديفة وتتفحص أعالي الأشجار.. .
وضع محفظته داخل المنزل وعاد إليها ليسالها عن حالها وحال دجاجاتها لتجيبه في حزن بأن دجاجاتها الرقطاء قد اختفت.
قد تكون سرقت.. ودار بينهما حوار حول إمكانية السرقة. فمكرم منذ أن حل بالمدينة والجزيرة لم يبلغه شيئا عن السرقات وحدثه الا روبيو ن من زملائه بأن السرقة نادرة وعقابها عسير.. . كما أن العنف والمشاجرات نادرة أيضا وسأل عن الحيوانات المفترسة او السامة وعلم انه لا وجود لها سوى بعض الأسماك النادرة في البحر…
اذا أين اختفت دجاجة سعاد المفضلة.؟!
. ولم يجد للسؤال جوابا. وطلب من زوجته ان تنتظر إلى الغذ لعلها تعود من تلقاء نفسها وتاتي كالعادة مع الديك وبقية الدجاجات بعد نزولها من أعالي الأشجار الباسقة الي تحيط بحديقة المنزل أين تقضي الليل. وتحوم حولها الخفافيش العملاقة التي تشكل اسرابا وتحلق كالغربان مع غروب الشمس.. وقد شرح لهما القمريون بأنها غير مؤذية للبشر وهي تستهلك الثمار والحشرات الصغيرة وتقضي جزءا من الليل معلقة في اسلاك الكهرباء لتختفي في الصباح الباكر…
بمرور يومين يئست سعاد من عودة الدجاجة ووعدها مكرم بشراء أخرى لها نفس المواصفات..
مرت الايام سراعا واستيقضت سعاد ومكرم ذات صباح على أصوات غريبة فوق المنزل. واسرعت سعاد الي فتح الباب وتبعها مكرم وسمعها تضحك وتناديه لمشاهدة المفاجأة..
والتحق بها مسرعا ليشاهد الدجاجة المفقودة أمام الباب ومعها فراخها الصغار تطوف من حولها وكانها تعرفها بسعاد.التي لم تتوقف عن ابداء إعجابها وسعادتها بما رأت. وخاطبت مكرم قائلة:
لقد اسانا الظن في القمريين في حين ان الدجاجة اتخذت عشها فوق سطح المنزل الذي غطته نباتات الزينة المتسلقة مع الجدران.. ثم طلبت من مكرم البحث عن غذاء يليق بالفراخ الصغيرة كالذي يقدم للطيور في الاقفاص بالاضافة الي فواضل الطعام والماء….
تركها مكرم تتلهي بما حبتها به الطبيعة من رزق الله وذهب ليستريح من عناء الدرس والعمل.
لم يجد اي صعوبة في تدريس القمريين ولكن لا يزال الوقت مبكرا للحكم على تميزه وزملائه التونسيين في جميع الاختصاصآت العلمية… كان واثقا من نفسه وزملائه وزميلاته من التونسيين. كان يعلم أن تونس قد أرسلت من خيرة أبنائها وهي تدرك جيدا أهمية الرهان. وهو يدرك جيدا ايضا من خلال تجربته السابقة مع الأوروبيين والامريكيين كثافة البرامج التونسية ونجاعة تعليمها ولكن ليس هو من سيقيم. . فالأمر موكول للقمريين وخبراء اليونسكو والالسكو وفي انتظار ذالك عليه أن يسعد زوجته في المنزل وطلبته في المعهد ويعيش حياة القمريين ويتكلم لغتهم ويحيط بعاداتهم وجوانبها الاجتماعية اعتمادا على بعض القواسم المشتركة….
قواسم مشتركة اضاعها العرب والمسلمون عبر القرون وابتزها المستعمر… لقد ذهب الزمن الذي كان فيه خليفة المسلمين يقول للغمامة:
امطري حيث شئت فإن خراجك عائد الي..!
اما اليوم قتقول لهم القوي الاستعمارية تقاتلوا كيفما شئتم فإن بترولكم ومناجمكم وخيراتكم لي وليس لشعوبكم سوي الحدود التي تفصل بعضهم عن البعض وتجعلهم غرباء في ارضهم واوطانهم ؛! …
(يتبع)
محمد عبد الكريم الوصيف 30/12/2020
اعيد نشره ودقيقه في 30/12/2022