لا أمل لكِ فيّ.. فكرة قصصية بقلم محمد. عطاف

فكرة قصصية 03
لا أمل لكِ فيّ.
من هناك رحل. من تلك الوعورة هرب. إلى هنا هاجر. من هناك إلى هنا هاجر خلسة ضدا على الحب والتمسك بالأشياء الحميمة. أراد تحقيق فرصة للتذكر. لم يتذكر. خاف أن يتذكر ليشقى. في الحقيقة تذكر وتألم الألم الأكبر. حاول أن ينسى بقوة. حاول أن يحوّل الذكريات إلى سائل يجري مع الدم.
الكلمات تأمره بأن ينطقها بفصاحة لا بوقاحة. دقت ساعة الأرض. لم يستيقظ الناس من سباتهم. عندما تحلّ الأزمة لا يستيقظ أحد.
لا ينطق أحد.
بين الأرض والسماء، يا هو.. سافر حتى الموت. أين قبره؟ لم يحلم أبدا أن ينتظرها تضحية أو مغامرة. انتظرها حتى شقي. حلم أن كل الأقحوان جرحه. رأى روحه وقد حُجزت في ثلاجات الموتى. أراد أن يرشي الملاك القائم على المصلحة الأخروية. قال له ذلك الملاك جازما: هذه أشياء لا توجد هنا. للأسف أنا أرفض..
هذه هي أيامه. يومٌ تتفتح فيه الأزهار، ويومٌ تذبل فيه، نهائيا..
إن يرد أن يتقبل الحياة، فليهتم بالتفتح، لا بالذبول.. نظر إلى تلك الشجرة. كبيرة. كانت بذرة. لاشيء كانت. تكونت. نبتت. اشتدت فروعها. هي، تساعده على رعاية فروع تلك الشجرة التي تقف في طريقهما شبحا مخيفا. مرعبا. هكذا تمنى وصبر..

” تصيرين أنت الشجرة ذات الفروع الهامة، وهو عصفور يتيم يغرد..
لك الأمل، الأمل كله..
يفكر فيك. أنت مثله. أنت ظله. التبست عليه الهوية فاعتنق القضية. أقسم على أن ينتحر بشفرة الكلمة. الكلمة علمته ألا يخاف منك. يخاف عليك. قال كلمته في عقر وطنه، وفي أوطان الناس لم يتوقف عن قولها. لا يوجد في جوفه خوف. ممّ يخاف..؟ من البعوض أم من الأبقار..؟
من يخاف لا يتمتع بحياته. تلك خلاصة العمر..
هو، كله، مثلكِ لذا يعذرك. حتى وإن اختلفتما فهو يحترمك.. لكن ليس احترام الضحية لمفترسها..
لم يملك لك إلا أن يساعدك بالفعل، فشجعك حين تسلقت الجدران الملساء، لتطلي على عالم آخر، يعترف بطموحاتك وأفكارك..
أنتما اختلفتما، حقا، لكنه شخصيا لم يغضب. الإختلاف زكىّ الصداقة والأخوة والجرأة وأشياء أخرى. ماذا تفعلان إن بقيتما على نفس الخط، والإتجاه الواحد؟ متعة الأنفاس في أن تصيّرا الحياة بشتى الإتجاهات. ما أفلح من اتفق فقط، بل من أسس أسلوبا جميلا، وناجعا في حقيقة الأيام.. أسلوب يضم بند الممارسة المرجوة وبند الشعور بالحرية والقيم الإنسانية. يجب الخروج من دائرة القول فقط.. فكثيرا ما قيل وقليلا جدا ما تحقق..

يذكر تاريخك الذي توزع بين الحفر وركامات التراب. كادوا يدفنانكما حيّان تصرخان وترفضان. فعلا. لم يكن لديكما ما تخسرانه، رحبتما بالموت كيفما كان، فأدركتما بعض معاني البطولة من حيث لم يخطر على بالكما..
قال لك: لا أمل لكِ فيّ..
بالطريقة التي أراد أن يقولها لك، لكي تبتعدي عن فكرة امتلاكك له كما قد تحلمين، أو لا تحلمين. وماذا يمنعك أو يصدّك عن أن تتمنينه جاهزا تاما. انتهى فيه كل شيء. انتهى قبل الأوان. فماذا تريدين منه؟ ماذا ترجين: من رجل تحول فيك إلى حطام؟
هذا وضوح يؤكده سموّ القلوب التي انكسرت. أهناك أبعد من كل هذا الوضوح؟ حسرة. كل ما بُني عبر عمر طويل تهدم في آخر هذه الحياة.. الخانزة.. في لحظة خاطفة انهار كل شيء..
كل القطار فوق سكته الحديدية تمزق، وأصبحت الأشياء كلها ذكريات مرة تتمرد على النسيان، والهروب، والإعترافات القهرية..
م. عطاف
هولندة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.