غناء بحارة الخليج العربي.بحث فني بقلم سعد عبد الغفار

بحث فني
غناء بحارة الخليج العربي
يعتبر الغناء البحري في الخليج العربي الصورة الناطقة والمعبرة عن سير وتاريخ وجغرافية الإنسان في هذه المنطقة
عرفنا آلام وأفراح هذا الإنسان من خلال تعبيراته الغنائية التي حفظتها الأجيال كما ساهمت في معرفتنا بتوضيح خط سير السفينة والعلامات أو الجزر التي يراها بطريقة أصبحت محفوظة من خلال ترديد شعره وأصبح الشعر بدوره خريطة يستفيد منها كل من يركب البحر كما توضح أيضا له الأنوار والرياح وطرق اتجاهاتها
استطاع هذا الغناء البحري أن يعرفنا بأماكن لم تكن معروفة مسمياتها لدينا بعد أن طرأ عليها تغيير سواء بعد انقضاء أهميتها المكانية أو ضمها إلى دول غيرت من مسمياتها
ان الغناء البحري والبحر هما الأساس الذي اطلق ومهد للفن الخليجي بالانتشار وهما الأساس الذي بنيت عليه الأغنية الموسيقية الخليجية
عبر الإنسان في الخليج عن حياته وصورها غنائيا واستفاد كثيرا من أصوات الموج في تعبيراته الموسيقية كما استفاد أيضا من أدواته المستعملة سواء لشرب الماء أو مواد طحن الحبوب لاستخدامها كآلات موسيقية تساعده في إكمال الأداء اللحني فنجد البحار يستخدم كثيرا أصوات البحر في غنائه سواء على شكل همهمات أو نحبة عبر من خلاله عن تأثره في البحر واستخدامها كأداة لحنية تساعده في كثير من أشكال غنائه سواء ( كانت غناء عمل أو غناء استراحة )
هذا التقليد الجميل لأصوات البحر أصبح أحد أركان الأغنية البحرية يرافق الغناء في جميع أشكاله وألوانه وهو بدوره يتلون حسب المكان المؤدى فيه الأغنية فنجد مثلا النحبة تؤدى أثناء العمل وتعتبر الصوت المعبر فيه عن طريقة العمل كما في غناء رفع الشراع أي الخطفة أو في رفع المرساة أيضا بينما تستعمل الهمهمة في أشكال متعددة في أغاني الترويح عن النفس سواء اليابسة أو على سطح السفينة خاصة السفن الكبيرة في الرحلات التجارية الطويلة فهذه تؤدى أثناء غناء الحدادي والفجري لتعطي الإحساس والتعبير الصادق عما يجيش في قلوب البحارة من ذكريات بحرية تشدهم إليها
هذا الغناء الذي يؤدى على اليابسة بعد عناء السفر ما زال يرتبط بأمواج البحر فنغماته وهمهماته ثابتة الزمن كتلاطم الأمواج بالسفينة زمن واحد ومتكرر نقله البحارة إلى أغانيهم ليسهم بوحدة الزمن في الأغنية وليكمل التعبير وينقل الصورة البحرية التي يسهم بها الشعر واللحن بدور أساسي في نقلها إلى المشاركين
هناك شكل آخر من النحبة استطاع الإنسان الخليجي أن يستفيد منه ويستخدمه في أغان محددة تساعده على الأداء الغنائي وعن التعبير عما يريد أن يوصله من تراثه فقد اختلط هذا الشكل الغنائي الجميل واستخدامه في أعماله البسيطة وأسماه الحندة التي يقتصر أداؤها على جمل قصيرة تستخدم أثناء أداء الأعمال البسيطة والسريعة مثل شد الحبال والمساعدة في الأعمال الخفيفة
تستخدم في الحندة مقاطع جميلة قصيرة حسب أداء العمل وكثيرا ما يغلب عليها طابع السرعة وذلك حسب أداء العمل فاستخدام كلمات غنائية مثل هي يا مالي هي والله / هي يا ملى هي والله / هي والله يا سيدي / كلمات قصيرة تساعد على أداء العمل وتنفيذه بالسرعة المطلوبة
النهام والنهمة :
يطلق بحارة الخليج العربي على المغني الذي يؤدي أغاني البحر والذي يصاحب البحارة بأغانيه إسم النهام وإسم النهام مشتق من كلمة نهم والتي تطلق على الصوت الذي يعبر عن الضجر كما تطلق أيضا على صوت الأسد والفيل ولهذا فالنهام يمتاز بقوة الأداء وحلاوة الصوت وحفظ كثير من الشعر
أطلق أيضا بحارة الخليج إسم النهمة على كل أشكال أغاني البحر ( والنهم هو نوع من الدعاء اختطه البحارة ليعبر عن كثير من حالاتهم النفسية وللتخفيف عن متاعب وآلام المهنة )
ان النهمة ترتبط أساسا بالعمل على السفينة ولذا فلها قواعد ثابتة وخاصة بالأداء فكل أغنية لها الشكل والعمل المناسبين التي تؤدى أثناءه فالعمل المؤدى أثناء رفع الأشرعة وإنزالها له ضوابط غنائية محددة لرفع الشراع ( خطف الشراع ) كما يسميه البحارة ويطلق على هذا الأداء بالخطفة وهذه تؤدى أثناء العمل ويختلف زمنها الأدائي حسب نوع الشراع وسرعة الرياح وتتلون هذه الخطفة بين السريعة والسريعة نوعا ما حسب المهمة الموكلة أثناء سرعة الرياح مثلا كما تختلف مسمياتها الفعلية الأدائية حسب نوع الشراع فهناك خطفة العود وخطفة القلمى وخطفة البومية وخطفة الجيب وهذه مسميات بعض من الأشرعة المستخدمة التي استخدمها البحارة وأطلقوا مسمياتها على أنواع الغناء أثناء أداء العمل برفع الشراع
لذا فاسم الخطفة يعني رفع الشراع فالعمل هنا يطلق أيضا على الشكل الغنائي المصاحب ولذا سميت بخطفة الشراع وتعددت أنواع الخطفة حسب أسماء الشراع المستخدم في العمل
هناك أيضا أعمال كثيرة تؤدى على سطح السفينة أخذت مسمياتها الغنائية من نوع العمل المؤدى فجر المجاديف مثلا استعمل هذا الإسم لنوع الغناء الذي يغنى أثناء أداء هذا العمل وسمي بجر المجداف
أما بالنسبة للأعمال الأخرى على سطح السفينة ومنها البسيط والتي يتم عملها بسرعة استخدام البحارة أثناء تأديتها غناء اليامال وهو نوع من الغناء يساعد البحارة على أداء عملهم سواء على سطح السفينة أو خارجها
هناك أنماط غنائية كثيرة نستطيع أن نضعها تحت إسم الأغاني الترفيهية التي قد يستعان ببعضها لأداء عمل بسيط كطي الشراع ( جفت شراع ) أو لمة الجيب أى أعمال تؤدى بعد أداء العمل الرئيسي بمباشرة عمل آخر
كما توجد أيضا أغان كثيرة تؤدى كأغان ترفيهية للترويح عن النفس بعد العمل الشاق أو تؤدى أثناء استراحة البحارة سواء على سطح السفن الكبيرة ( سفن السفر ) أو في الدور أي أماكن تجمع البحارة في فترة استراحة على اليابسة ومن هذه الفنون غناء الحدادي وفنونه وأغاني الصوت
الشعر الغنائي عند البحارة :
تنحصر أنواع الشعر الغنائي عند البحارة في شكلين أساسين هما :
الزهيري
المويلي
الزهيري : نمط شعري استخدمه البحارة في أغانيهم واستخدم البحارة شعر الزهيري بالأغاني ذات الزمن الثابت كجر المجاديف مثلاً كما استخدموه في بعض الأغاني الترفيهية مثل الحداي والفجري
لقد استطاع البحارة استنباط أنواع كثيرة من الشعر الزهيري واستخدموها في أغانيهم ولهذا ظهرت أنواع كثيرة من الشعر الزهيري منها السباعي والسداسي والخماسي الشطرات ولكل من هذه الأنماط المعروفة بالشعر الزهيري هو السباعي أي يضم سبع شطرات شعرية تكون الثلاثة الأولى ذات قافية واحدة ثم الشطرات من الرابعة إلى السادسة يكون لها قافية ثابتة ثم تعود الشطرة السابعة بالقافية الأولى والتي تسمى بالقفل وهي ختام الشعر
مثال :
دمعي تحدر على وجناي واستاهل
وهلال سعدي ابد ما بان واستاهل
هذا جزا من رابع الانذال يستاهل
رابعت صاحب ذهب اليوم فضة قلب
يحقلي لاسطر الديكان فوق قلب
ان كان هذا وذا يطلـى لــى قلب
انا الذي استحق الصلب واستاهل
كذلك يمتاز الشعر الزهيري السداسي بتوحيد القوافي للثلاثة أبيات الأولى بينما البيتان الرابع والخامس لها قافية واحدة بينما تعود القافية الأولى في البيت السادس وتعتبر القفل للأبيات
مثال :
ما اغفر انا اخطاك حبك في ضميري انزاح
من حيث جرح في قلبي ما برى وانزاح
انسيـت ذاك الطـرب وذاك اللعـب وانـزاح
قلب قسى شى فعلت انا من بد
الضرس ليمن رقل من شعلة لا بد
انظر الى الغيم لى هب الشمال انزاح
بينما يمتاز الزهيري الخماسي بضمه لخمسة أبيات شعرية فالأولى والثانية تحمل نفس القافية أما الثالثة والرابعة فلها قافية أخرى موحدة بينما تعود قافية البيت الخامس للقافية الأولى
مثال :
نسيم الاشواق حملني ثقيل الحمل
يا ناس مالي انا طاقة على ذا الحمل
حمل مجافي وانا شايله مخطى
يا رب تغفر ذنوبي ان كنت انا مخطى
عفاني الله من يوم انا شايل ذا الحمل
لأهمية النمط السباعي من الزهيري نجد معظم أغاني البحر التي تغنى على هذا الشعر الزهيري هي من السباعي ولذا نادرا ما نجدهم يغنون على السداسي والخماسي
هناك أيضا نوع آخر غير غناء الزهيري يستخدمه البحارة في غنائهم وهذا الشكل الشعري يسمى المويلي وهو يختلف عن الشعر الزهيري بأشكاله المتعددة وقوافيه الثابتة كما يختلف عنه بطريقة وظروف أدائه العملية على سطح السفينة ويمتاز غناء المويلي بالدعاء والشكر لله كما يستهل عادة بالصلاة والسلام على الرسول الكريم وقد جرت العادة أثناء غناء المويلي أن يقوم بغنائه عدة نهامين يبدأ عادة غناؤهم بالدعاء والشكر يجاوبهم بقية البحارة بترديد النحبة لتساعدهم على سهولة العمل والتخفيف من عنائه وخاصة أثناء رفع الشراع الذي يتطلب مجهودا شاقا وذلك لكبر حجمه وثقله فيغني النهامة
مثال :
صلوا على النبي
ربي كريم ستار
تعلم بحالي والاسرار
سبحان ربي هدانا
اللي هدانا على الدين
احنا ضعاف مساكين
مولاي نظرتك في العين
توفي ديون علينه
توفي ديون الثقالى
الاولى والتوالي
ياموفي الدين يا الله
تمتاز بعض أغاني البحر بالغناء الجماعي ويطلق عليه البحارة ( شيلة ) وهي عادة تتألف من بيتين أو ثلاثة أبيات شعرية لها لازمة ثابتة تغنى عادة أثناء العمل سواء نقل أمتعة داخل السفينة أو تحريك السفينة خاصة عندما تغوص بالرمال والطين فالبحارة يغنون أثناء أداء العمل لهذا النوع من الشيلات للمساعدة وبث روح التعاون.
( اويلاه يا للومى كم شايب طاح شلة )
لقد تأثرت بعض هذه الأغاني تأثرا بالغا بأغاني الحضارات الأخرى التي استطاع البحارة الوصول إليها وخاصة في رحلة السفر التجاري ذات الزمن الطويل حيث ساهموا مساهمة كبيرة بالاحتكاك بالشعوب الأخرى خاصة الهندية والإفريقية وبالذات سواحل شرق إفريقيا لدرجة أننا من الطبيعي أن نجد البحار يتحدث بسهولة وبكل وضوح هاتين اللغتين الهندية والأفريقية ولهذا تأثر بهذه الحضارات حيث نقل البحارة الكثير من الكلمات والتعبيرات الأجنبية إلى لغتهم وأغانيهم بعد أن حوروها وصبغوا عليها الطابع العربي المحلي وأصبحت كأنها فعلا نابعة من البيئة الخليجية فمن المألوف أن نسمع النوخذة وهو يقول لبحارته العرب ( هيرياسي ) حتى يخفضوا الشراع وهذه الكلمة ذات أصل هندي على أكثر تقدير
كما نستطيع أن نسمع أثر ذلك بسهولة في الأغاني كما هو في :
ســي يا ســي دايم الله
البحر اسـود الدايم الله
وكلمة ( سي يا سي ) من أصل سواحل شرق إفريقيا ويقولها الإفريقيون في صلواتهم
في بعض الأحيان تصاحب الكلمات العربية مصطلحات أجنبية بهدف إيضاح فكرة وتحويرها وعلى سبيل المثال نذكر هذا المقطع النهمة :
يا لكاجوري طيح لنا الانجر
لا يحتوي هذا المقطع في الواقع إلا على كلمة عربية واحدة وهي كلمة ( طيح ) والتي تعني رمي مثلا أما الكاجوري فهي كلمة هندية تعني التمر والانجر تعني المرساة في الهندية أيضا ويكون المعنى أن التمر قد ألقى المرساة ويبرز هذا التعبير رغبة البحارة في رؤية المرساة وهي ترمى قبل تفريغ التمر حتى يستريح من عناء الرحلة الطويلة التي تبدأ من شط العرب في العراق إلى سواحل الهند
هناك أيضا أشكال متعددة من دخول كلمات أجنبية على اللغة العربية وخاصة في الأغاني منها هذا المقطع التالي :
الصومالي باع كوته واشترى له كوت تاني أي الصومالي قد باع سفينته واشترى لنفسه سفينة أخرى
الآلات الموسيقية المصاحبة لغناء البحارة :
في منطقة الخليج العربي يوجد نوعان من الآلات الموسيقية التي تصاحب الغناء البحري وهي الآلات الإيقاعية وآلات النفخ الخشبية
أولا : الآلات الإيقاعية :
هي آلات تصنف حسب طريقة العزف عليها فهناك آلات النقر وآلات الاحتكاك والآلات التي يستخدم فيها العصي
آلات النقر :
من أهم الآلات الطار وهي آلة تتكون من حزام خشبي دائري مشدود عليه رقعة من الجلد المدبوغ وآلة الطار هي أساسا آلة إيقاع وهي أكثر الآلات الإيقاعية انتشارا في المنطقة وقد استطاع كثير من العازفين تطوير عزفهم عليها واستطاعوا استخراج أصوات جميلة ومتعددة منها كما غيروا من طريقة أماكن العزف عليها فبدلا من أن يكون العزف على أطراف الطار بكامل اليد أصبح للأصابع رنين خاص يختلف عن صوت اليد كاملة والذي بدوره يختلف عن العزف من الأماكن المختلفة التي تمكن العازفون من الوصول إلى دم وثلاثة أنواع من التك بأطراف الأصابع بالعزف في وسط آلة الطار كما تمكنوا من العزف بمتن اليد وأظهروا نغمات جميلة لمصاحبة الغناء والتي تسمى محليا باسم الصقال
هذه الألوان النغمية الجميلة المعزوفة على آلة الطار استطاع الفنانون استغلالها بصورة رائعة مكنتهم من الوصول إلى نغمات عذبة وألوان لحنية متعددة عن طريقة العزف على آلة الطار
وهذه الآلة ذات الحزام الخشبي الدائري يعتقد أن خشبها يستورد من الهند وهي من الآلات العربية القديمة التي ما زالت تستخدم في أرجاء الخليج
الجحلة :
استعمل البحارة الجرة المسماة محليا بالجحلة وهي وعاء من البورسلين استخدمه أهل الخليج لحفظ المياه وتبريدها وقد حولها البحارة إلى آلة موسيقية يقوم العازف بالدق فوقها فتطلق صوتين متميزين الأول غليظ وينتج عن إدخال الإبهام في فتحة الجحلة والضرب بالأربع أصابع الأخرى وهذا الصوت يشبه أصوات الأمواج ليعطي التأثيرات البحرية في الغناء البحري ولكي يحصل العازف على الصوت الحاد فإنه يقوم يالضرب على وسط الجحلة والأصوات النهائية الناتجة عن هذين الصوتين وهما ( الدم تك والتك ) هي أصوات مألوفة في الأذن العربية
المرواس :
آلة معروفة كثيرا عند أهل الخليج وهو يستخدم في المقام الأول في أغاني السفر خاصة لمصاحبة آلة العود وعادة درجته الموسيقية تكون أقل من آلة العود لكي لا تطغى عليه والمرواس عبارة عن أسطوانة تشد من جانبيها بالجلد والتي تسهم الحبال في شدها مخرجا بذلك أصواتا معينة تختلف حسب شد الحبال وتسمى هذه العملية ( الشباح ) أما في حالة أغاني العمل البحرية فإنه يساعد آلة الطبل وعازف المرواس يستخدم أصابعه بالعزف على الآلة ولصغر حجم المرواس فإن العازف يمسكه بيد واحدة ويتم العزف باليد الأخرى
آلات الاحتكاك :
أهم هذه الآلات آلة الصونج أو الطويسات كما تسمى محليا تتكون من صفحتين برونزيتين على شكل دائرة مسطحة وأثناء العزف تضم الصفيحتان إلى بعضهما بعنف فتنتجان صوتا حادا ولشدة حدة الصوت فيها فإنهما يستخدمان للزخرفة الإيقاعية كما أنهما تحافظان على الزمن الإيقاعي
الآلات التي تستخدم العصي الخشبية :
الطبل من الآلات الإيقاعية الأساسية في الغناء البحري ولأهميته فقد استطاع البحارة استنباط نوعين من الطبول فقد ظهر الطبل الأساسي المسمى طبل الراس وهو الطبل الرئيسي ولأهميته فهو الطبل الذي يعطي بداية الإيقاع وهو الرأس الإيقاعي الذي يتقدم كل الإيقاعات
أما الطبل الثاني فهو الطبل الصغير ويطلق عليه الطبل الخماري وهو طبل مصاحب دائما للطبل الكبير في معظم أنواع الغناء البحري وهو عادة لا يتم العزف عليه منفردا فهو الطبل المصاحب للآلات الإيقاعية والذي يتم شد حباله بصورة تختلف عن شد الطبل الكبير وذلك للحصول على صوت إيقاعي مختلف عن بقية الآلات المصاحبة
يتكون الطبل أساسا من صندوق أسطواني مغطى من جانبيه بجلد البقر مشدود بالحبال واستخدام البحارة جلد البقر لقوة تحمله ضرب العصا كما أنه يعطي رخامة في الصوت تنعش البحارة أثناء الغناء وذلك على العكس من آلة المرواس والطارات التي يستخدم فيها الجلود الخفيفة كالغنم مثلا ولثقل آلة الطبل فإن العازف يربطه بحبل يلف حوله كي يتمكن من تعليقه حول كتفه كما أنه يستخدم أثناء العزف عصا غليظة يضرب بها على هذا الطبل وفي حالات إيقاعية خاصة يقوم العازف باستخدام أصابعه للعزف على الطبل
الهاون :
استخدم البحارة آلة الهاون والتي تستخدم عادة لدق القهوة استطاع الفنان الخليجي أن يسخره لنغماته وأن يستخدمها في أغانيه ويتم العزف عليه عادة بوضع الهاون بين الرجلين مع استخدام عصاتين رقيقتين بالدق على جانبي آلة الهاون لإصدار الأصوات المتآلفة مع الإيقاعات الأخرى
آلة النفخ ( الصرناي ) :
يستخدم البحارة هنا آلة نفخ واحدة وهي آلة نفخ خشبية تشبه نوعا ما آلة ( الابوا ) في الاوركسترا ويعتقد كثير من الرواة أن أصل هذه الآلة هندي وأنهم سمعوه في معابد الهنود أثناء زيارتهم ومن ثم طوعوها لتعزف النغمات العربية في الخليج فنجد استخدام هذه الآلة ينحصر في عزف لحان السنجني والشبيثي ولا نجدها في كثير من الألحان الأخرى وذلك لصعوبة العزف على هذه الآلة التي تتطلب من العازف نفخا قويا ومهارة خاصة بالعزف
أغاني العمل عند غواصي اللؤلؤ :
في معظم الأعمال التي يقوم بها البحارة هناك صيحات ( أهازيج ) وأغان منظمة تساعد على القيام بالعمل كما أنها تعتبر الدليل الذي يقود سفن البحارة في التنقل من مناطق ( الهيرات ) المتعددة في الخليج العربي
مثال :
والله يا يبه جيت انا القنطرة رايتها تجري
وقلت يا قنطــرة ما مروا عليك اهلـي
قالت بلى … مروا على طلعت الميزان والفجر
اردوا خشبهم وخلوا دمعتـي تجــري
هذه الأغاني بأشكالها المتعددة تبدأ مع بداية موسم الغوص ومع أول صرصرة السفينة عند تحريكها من البر إلى الماء إلى العودة والقفال وإعادتها إلى البر مرة أخرى
تلعب هذه الأغاني دورا أساسيا بالقيام في تسهيل العمل وبسرعة إنجازه عندما يقوم النوخذة بجمع بحارته الذين سيشاركونه ( الدشة ) يوزع عليهم السلف يستعد البحارة لموسم الغوص بتجهيز أنفسهم من ملابس الغوص وأدواته الضرورية ( شمشول ) و( الفطام والديين ) وغيرها أما بالنسبة لأمتعة السفينة فيقوم البحارة بتجهيز الأشرعة والحبال ومواد الغذاء اللازمة أثناء موسم الغوص
ويبتدىء الموسم مع بداية نزول السفينة من اليابسة إلى الماء ويتم ذلك بتعاون جميع البحارة بل أيضا يساعدهم كل من يكون قريبا من ساحل البحر
هذا التعاون الجماعي إلى المصير الجماعي يأتي مع أول صوت يطلقه ( النهام ) مع ترديد البحارة ( بنحباتهم ) الجميلة التي تعتبر نداء للمساعدة يشترك الجميع في المساعدة بسحب السفينة وذلك بواسطة وضع خشب أسطواني الشكل ( طعوم ) أسفل مقدمة السفينة كي تساعد على نزولها إلى البحر بينما تقوم مجموعة أخرى من البحارة بشد السفينة بواسطة الحبال مع المحافظة على توازنها وفي أثناء ذلك تقوم مجموعة المنشدين بالمساعدة في أغانيهم لعمل ميزان لشد السفينة في الوقت المحدد للجمير
مثال :
هي = …… هو
هي ………. يو
هي يا ملى ….. هي يا ملى
عملية تنزيل السفينة يجب أن تكون موحدة الإيقاع ينثره هدير البحارة القوي في أرجاء المكان فتنزل السفينة إلى البحر تحت ضغط السواعد القوية هذه العملية الشاقة وعلى الرغم من تكتل الجميع للمساعدة إلا أنها قد تستغرق نهارا كاملا لتنزيل سفينة واحدة ينحر من أجلها الماشية للمباركة بموسم صيد الغوص في الخليج وعندما تنزل السفينة إلى البحر يتم الاحتفال بذلك حيث تتجمع أجمل الفتيات الصغيرات وقد انعقد شعرهن بشكل بديع وارتدين أروع ما عندهن من ملابس … يصعدن على ظهر السفينة يرقصن ويغنين على سطحها حيث تتجول بهن بالقرب من الساحل
ترمز الفتيات لحبات اللؤلؤ الخلابة التي يذهب الغواصون للإتيان بها كما تجلب هذه الرقصة الحظ الطيب لكل طاقم السفينة
وبعد عملية إنزال السفينة إلى البحر تبقى ثلاثة أيام في الماء ثم تبدأ عملية التنظيف وتثبيت الصاري التي ( سقوية ) يغني عليها البحارة همهمات وكلمات بسيطة بدون مصاحبة للآلات، بعد ذلك يقوم البحارة بعملية طلاء السفينة بمادة ( الشونة) وهي مزيج من الدهون الحيوانية بإضافة مادة جيرية ( نوره ) وعادة يتم طلاء النصف السفلي في السفينة بمادة الشونة بينما يطلى الجزء العلوي بالدهون فقط كما يسهم القلافون بعمل كلفات أي سد الثقوب بين فراغات ألواح السفينة وأثناء عملية الشونة التي تتم ببطء شديد لأن عملية الطلاء تأخذ الوقت الكافي لتشوين السفينة يقوم البحارة بغناء يعادل ويساويه إيقاعا وسرعة يغنى أثناء ذلك ( السكني ) وهو يعني الثقيل وهو عبارة عن أربع وستين وحدة إيقاعية يبدأ الغناء بها باستهلال أو مدخل يمهد لدخول ( النهامة )
مثال :
نوفلين يا اللــه بالكرامـــة
يا مسلمين صلوا علـى النبي
بيت الرسول مكة يا مدينــة
بعد أن يتم العمل في طلاء السفينة يقوم بعض البحارة بقلب قدور الشونة إشارة لانتهاء العمل ثم يتحول الغناء من السنكني إلى ( الشبيثي ) وهو غناء للترويح عن عناء العمل فتعلن اللحن أولا الطيران ثم يقوم النهامة بالغناء
مثال :
لي خليل حسين يعجب الناظرين
جيت انا ابغي وصالة كود قلبة يلين
يتم هذا الغناء بمصاحبة الطبول الصغيرة والكبيرة بجانب التصفيق وبمصاحبة آلة النفخ الخشبية ( الصرناي ) وبعد توديع الأهل يقوم البحارة بنقل أمتعتهم إلى السفينة استعدادا للقيام بأول مغادرة لهم للأهل والأحباب ثم يعطي النوخذه أوامره برفع المرساة فيقوم جميع البحارة بالتعاون مع استخدام همهمات وصيحات لتساعدهم على شد حبل لرفع المرساة
مثال :
هي يا ملى هي يا الله
هي يا ملى هي يا الله
هذا العمل يسمى بإسم ( التقصيرة ) وذلك لقصر حبل المرساة ويغنى عليه أيضا
مثال :
يا سيــد المرسليــــن
اشفـــع لنا كل حــين
واشفع لنا يوم الشدايد
يا رب صلي على أحمد
يستعد بعدها البحارة على جانب السفينة بالوقوف صفين استعدادا للقيام بجر المجاديف وذلك لتوصيل السفينة إلى خارج ( النقعة ) حيث الهواء الذي يقوم بدوره بتوصيلهم إلى أماكن ( الهيرات )
يغني النهام أثناء القيام بجر المجاديف يساعد البحارة بنحبة قوية تساعدهم على القيام بتحريك المجداف الثقيل ويجب أن تكون النحبة مرتبطة بنفس الوقت مع انتهاء قافية شعر النهام حيث تكون موحدة عند جميع البحارة ثم يغني النهام الزهيرية التالية مودعا فيها الأهل والأحباب :
ودعتكم بالسلامة يا ضوى عيني
وخلافكم ما غمض جفني على عيني
واعدتني بالوعد لمن حفت عيني
ظليت يا سيدي جسم بلا روح
قد فرمني العقل وظل الجسم مطروح
كل العرب هودت وانا شقي الروح
يا نور عيني مثل ما اراعيك راعيني
عندما تصل السفينة إلى عرض البحر وتكون في مهب الرياح يصدر النوخذة أوامره بالتوقف عن جر المجاديف ووضعها بجانب السفينة ثم يأمرهم لرفع الشراع لكي تنطلق السفينة بواسطة الرياح
هذا العمل يتطلب توافقا زمنيا منظما بين رفع الشراع والغناء المصاحب له بمساعدة الإيقاعات حيث تسمى هذه بخطفة الشراع أي رفع الشراع
مثال :
يالله هيلي يا سيدي
ويلـــــــي يا سيدي
هيلـــــــي لا واللــه
شلنا اتكلنا اتكلنا على الله
ربي عليك اتكلنا كريم تعلم بحالي
عزين يا من له الملك علمك بسود الليالي
الـــوذ بـــك يا محمـــد
يـــوم الحشـــر يا سنـادي
ذخــري وغايــة مـرادي
يا غايتـــي يا اهـــل الديـن
ربــي كريــم ستـــــار
تعلــم بحالـــي والاســرار
سبحــان ربــي هدانـــا
اللــي هــــدانا علــى الدين
احنا ضعــاف مساكيــن
مـــولاي نظـــرتك بالعيـن
توفــــي ديــون علينــا
توفـــي ديــــون الثقـالـي
الاولـــى والتـــوالـــى
يا مــــوفي الديـــن ياللــه
هنا تبدأ الرحلة الفعلية لموسم غوص السفينة في عرض البحر يشمل البحارة الهدوء استعدادا للمصير القادم يقطع هذا بعض الأعمال التي يقوم بها البحارة من تجهيز عدة الغوص استعدادا لما سيأتيهم من رزق عندما يحدد النوخذة مكان الغوص أي الهير يأمر بحارته بتنزيل الشراع قائلاً ( هيرياسي ) وهنا يقوم البحارة يساعدهم النهام بقوة صوته الشجي :
صلوا على خيـر الأبــرار
ياللي زهـــت منـــه الأقـدار
طه نبي ومختار / عليه أفضل صلاتي
الكل صلى وسلم / نذكر نبينا محمد
نذكر محمد والله / تكلمت له الغزالة
تكلمت في حضوره / نبقى انشاء الله نزوره
لولا الكريم ما مشينا / ولا مشت قائمينا
ولا ركبنا المطايا قبر النبي زائرينا
قبر النبي يا محمد / صلوا عليه اجمعينا
يا رب صلي على محمد
بالوصول إلى منطقة الهيرات التي يحددها النوخذة بعد إجراء العديد من القياسات ومعرفة أنواع تربة قاع البحر تبدأ مرحلة الغوص ويتم ذلك طول النهار يساعد السيوب الغاصة ويشجعونهم على أداء مهمتهم كلما أفرغوا شباكهم ( الديين ) على سطح السفينة
هكذا إلى أن تنضب منطقة الهير يأمر النوخذه بتمديد طول حبل المرساة ( الخراب ) أكثر من عدة مرات إلى أن يأمرهم بالانتقال من هذا الموقع فتتم عملية رفع المرساة فيغني البحارة لتسهيل سحب الحبل الطويل للمرساة :
شلنا اتكلنا على الله
ربي عليك اتكالي
عزيت يا من له الملك
كريم تعلم بحالي
علمك بسود الليالي
بالوذ بك يا محمد
بشكيك عما جرى لي
مسكين وانا مسيكين
بعد الانتهاء من سحب المرساة يأمر النوخذة برفع الشراع الصغير ( الجيب ) إذا كان الهواء جيدا فعند وضع المرساة على سطح السفينة يغني البحارة غناء مختلفا بصورة شيلات يتمنون بها أن تهب الرياح لتكفيهم عناء جر المجداف بعد ذلك يغنون الدواري لوضع الحبال داخل السفينة والدواري غناء ورقص دائري غالبا ما يكون حول الصاري الكبير للسفينة
مثال :
هي ب لله هو يا يلي
يا مال يا سلام
اللي مالي يا سلام
هو لو با لله بادي يا سلام
يا رب سهل علينا يا سلام
خير من الله يجينا يا سلام
يفرح لنا الاهل والجار يا سلام
هيلي يا بالله ما لي يا سلام
في النهاية يغني البحارة انشاء الله يدور انشاء الله يدور أي طالبين بأن تتحرك الرياح وذلك للانتقال إلى الهيرات الأخرى بواسطة الشراع وبعد أن يحدد النوخذه المكان الجديد للهير يصيح النوخذه ببحارته بتنزيل الشراع وعادة ما يكون الشراع الصغير فيغني عليه البحارة لمة الجيب أي تنزيل وتجميع الشراع الصغير :
يا لله
يا لله
قلنا يا لله
هولو سيدي
هولوا يا فزعة الله
ويغنون ايضا :
منزلنا وابرك دار
على الهيرا والمحار
يا لله منزل مبارك
وابرك خير المنزك
عندما ينزل الشراع الصغير ويطويه البحارة تبدأ عملية الغوص من جديد إلى أن تنضب المنطقة وتتحول دفة السفينة سواء يقودها الشراع إذا كان الهواء جيدا ( ولم ) أو تسيرها المجاديف إذا أصبح الهواء عاجزا عن تسيير السفينة ( خواهر ) ومما يساعد أيضا على استعمال المجاديف كثرة السفن في منطقة الهير الواحد فمن السهولة والحالة هذه الانتقال بواسطة المجاديف التي تعتبر المهمة الصعبة للبحارة حيث تستغرق فترة طويلة قد تزيد على يوم أو اكثر
يغني البحارة على جر المجداف الزهيريات المتنوعة التي يتناولها النهام مع نحبة البحارة بزفير كله ألم وإرهاق
يغنى النهام :
هوب يا مال / يا مال هوب يا مال
يجاوبه البحارة بنحبة قوية تساعد على شد المجداف يتابع النهام غناءه :
لو بشتكي ما بقلبي على النجوم من جور الزمان انزلت
الطير حـــوام مـا يسكـــن النازلة
يسكن بروس العلامة يسكن النازلة
واطلب مــن اللــي رحمتـــه نازلة
تفرج هموم سـواد احشاهــا انزلت
لطول فترة التجديف يشجع النهام البحارة بأشعاره الجميلة المتنوعة :
دمعى تحــدر علـــى وجنـــاي همــالــي
واشوف دهري يا بــو عثمـــان همــالــي
يحــق لــي لا سكــن الوديــان همــالــي
همالي لا رابع الوحش وادعي مثلهم وحشي
واخذ علـى الراس مـن رمـل الثــرا واحشي
وعقـب ذيـك المحبــة صــرت انـا الوحش
وحشى اصبحت مفجوع هم اهلى وهم مالى
يستمر الترحال والاستقرار من مكان لآخر إلى أن ينتهي موسم الغوص وتعود السفن بكامل أشرعتها إلى الكويت يقودها أمير الغوص الذي يحدد موعد انتهاء موسم الغوص ( القفال ) تتجمع كل السفن في نهاية الموسم حول سفينة أمير الغوص استعدادا للقفال فبعد سماع قذيفة المدفع الصغير التي يطلقها أمير البحر إيذانا بانتهاء الموسم كما أنه يرفع عادة العلم لتراه كل السفن برفع أشرعتها قاصدة الكويت وعندما يرى البحارة ساحل مدينة الكويت يعم الفرح والسرور ويعبرون عن ذلك بغناء العرضة البحرية تعبيرا عن فرحتهم بالوصول والاطمئنان على الأهل إنهم وصلوا بالسلامة
القفال وأغاني النساء :
البحر مصدر الرزق الوحيد لكل الناس على الشاطىء العربي من الخليج وعلى الرغم من كل هذا فإنه يمثل للمرأة الغول الذي يزعزع كيانها ويجتث صبرها فهو الفم الكبير الذي يعطي الكثير ويأخذها الأكثر من بداية حياتها نحافة فهو الذي يحرمها من أحبائها على الرغم من أنه واهب الحياة لها فالمرأة تستقبل البحر بكثير من الحذر وتتعامل معه برقة تخللها كل أصناف العنف، هذا البحر هذا الإنسان المارد الذي تستقبله في كل شروق وهي على ساحله إما أنها تغسل الثياب أو تنتظر قدوم الماء العذب من شط العرب أو تستقبل أحباءها بعد طول سفر .
سعد عبد الغفار
المصادر :
الكاتب الخليجي صالح حمدان الحريي
اعداد سابقة من :
موسوعة الادب الشعبي الخليجي
مجلة التراث الشعبي العراقية
مجلة العربي الكويتية
مجلة الكواكب المصرية