سوريا… الجرح الذي لا ينكسر .. بقلم روعة محسن الدندن

في الشرق حيث تتعانق الشمس مع التاريخ، وحيث الأرض تحفظ خطى الأنبياء، هناك وطن يشبه النور حين يخترق العتمة، وطن اصطفاه الله ليكون جوهرة تتلألأ رغم غبار الحروب والخيانات. إنها سوريا، التي لم تكن يومًا مجرد بقعة على الخريطة، بل كانت دائمًا قلب العروبة، وذاكرة الحضارة، وصوت المجد الذي لا يخفت.
كيوسف الذي ألقاه إخوته في الجب حسدًا، وكالمصطفى الذي حورب رغم نوره، وجدت سوريا نفسها بين أنياب الطامعين، بين خناجر أبنائها وخطط الغرباء. كم مرة حاولوا تقسيمها؟ كم مرة رسموا على جسدها حدودًا وهمية؟ كم مرة سالت دموعها ودماؤها على حجارة المدن التي كانت تنطق بالشعر والموسيقى؟
لكن، هل انكسرت؟ هل تلاشى نورها؟
في كل زاوية من شوارعها، وعلى حجارة بيوتها العتيقة، هناك صوت يرفض أن يصمت، هناك حلم يأبى أن يموت. سوريا ليست وطنًا عابرًا، بل هي فكرة خالدة، روح تتجسد في كل من عشقها، في كل من آمن بأنها تستحق الحياة رغم كل الخراب.
حاولوا مرارًا أن يطفئوا شعلتها، أن يجعلوها طيفًا من الماضي، لكن المدن التي قامت من تحت الرماد تعرف أن الموت ليس نهاية، بل بداية جديدة.
ربما تبدو الجراح عميقة، وربما تبدو الليالي طويلة، لكن الصباح الذي يأتي بعد العتمة يكون أكثر إشراقًا. سوريا ليست قصة تنتهي بفصل مأساوي، بل هي ملحمة تتجدد، وكتاب لا تزال صفحاته تُكتب بدماء الأحرار، وبصبر الأمهات، وبأحلام الأطفال الذين سيعيدون بناء ما هدمته الحروب.
فليخططوا كما يشاؤون، وليحاولوا تقسيمها كما يريدون، فالأوطان العظيمة لا تقاس بالحدود، بل بما تبقى منها في قلوب أبنائها. وسوريا، مهما حاولوا، ستبقى أكبر من أن تُقسم، وأقوى من أن تُكسر، وأجمل من أن تُمحى من ذاكرة الزمن.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.