اللوحة الفنية و الصوت الذهني.. مقال بقلم د- كاظم شمهود

اللوحة الفنية و الصوت الذهني
د- كاظم شمهود
قال احد المفكرين بان ( الشعر تصوير ناطق و التصوير شعرصامت ), و هو اشارة الى اهمية حاستي البصر و السمع في قرآءة الصورة و النص , فتذوق الصورة و التمتع بها و تلذذها يأتي عن طريق البصر اما السمع فهو اداة لفهم اللغة . ولكن البصر بالنسبة للفن التشكيلي اهم من السمع فالبصر ينقل صورة مادية واضحة المعالم و المضامين الى القلب و المشاعر , و الاذن ترسم صورة خيالية في الذهن و من ذلك نجد هناك فنا تشكيليا بصريا و هناك فنا تشكيليا ذهنيا ..
و يذكر علماء الاجتماع ان كل الذين يتعلمون القراءة و الكتابة يرسمون في اذهانهم صور و اصوات الاحرف الابجدية , فعندما نرى مثلا صورة حرف – ع – او- ق – يحضر امامنا في نفس اللحظة احساسا بصوته , و هو مايسمى – بالصوت الذهني – و لنضرب مثلا آخر , فعندما نرى قطارا على شاشة التلفزيون او غيره نجد انه يتولد لدينا احساسا بالصوت لمجرد رؤيته بدون سماع صوته . لهذا هناك افتراض على وجود اصوات في اللوحة بمعنى ان العناصر الفنية المكونة للوحة ناطقة وليست صامتة كما يحللها البعض , و ان المتلقي يحس باصوات منبعثة من داخل اللوحة التي يقف امامها من خلال اشكالها و حروفها خاصة في الفن الحديث و المفاهيمي الذي يستخدم الحروف الابجدية في اللوحة كما هو في حركة الكرافيتي .. و مثال آخر , فعندما تستلم رسالة من صديق تعرفه , ستقرأ الرسالة و تشعر بصوت صديقك من خلال الكلمات و هذاهو ما يعنيه بالصوت الذهني .كما ذكرناه سابقا .
لهذا فعندما نرى لوحة واقعية يتولد لدينا احساسا باصوات تلك الاشكال سواء كان انسان او حيوان او اي رمز آخر حيث نشعر و نرسم على اساسها اصوات ذهنية في مخيلتنا او عقلنا …
و تعيش كل عناصر العمل الفني الكامل او اللوحة في ارتباط و تضامن و انسجام داخلي كي تعطي وحدة متناغمة و منسجمة و رسالة واضحة يمكن ان نطلق عليها بالرسالة الصوتيه .
الصورة الذهنية ظهرت في عصر النهضة عند بعض الفنانين حيث كانوا يرسمون صورهم في الذهن و الخيال ثم ينظمونها على اللوحة و قد نحى الفن الحديث على هذا النحو في اثارة الصور الذهنية و الابتعاد عن التمثيل .
و بالتالي فان اللوحة الواقعية او الحديثة تبعث الى المتلقي احساسا بمعانيها و صورها و اصواتها و الرسالة و المضمون الفني البصري الذي تحمله .. و اللوحة ناطقة او صامتة حسب مستوى احساس و شفافية المتلقي و ثقافته . و مع ذلك فهناك يوجد ناس صم بكم عمي لا يفقهون و ان بصروا و سمعوا .
قيمة الصورة الفنية :
اين يقع جمال و قيمة الصورة هل هي في ذهن الانسان او في الواقع المرئي بمعنى آخر هل ان الجمال يوجد في ذهن المشاهد او انه يوجد في اللوحة المنظورة ؟ لو افترضنا انك دخلت متحف اللوفر و قصدت الى مشاهدت لوحة موناليزا فوجدت ازدحاما كبيرا يصعب بذلك الوصول اليها واخيرا شاهدتها وانت في عاطفة و شوق كبير لمشاهدت لؤلؤة دافنشي العظيمة .. في هذه الاثنا جاء احد الاشخاص وهمس في اذنك قائلا : هذه ليست اللوحة الاصلية و انما هي نسخة عن الاصلية المحفوظة داخل مخازن المتحف …في هذه اللحظة ماذا يحدث لك ؟ . من المؤكد سوف تتغيرة مشاعرك و احاسيسك بسرعة و تهبط قيمة اللوحة و جمالها و تنصرف عنها لائما نفسك ؟ و لهذا فان الذهن اكثر الاحيان هو الذي يتحكم في تذوق الاشياء الفنية و جمالها و تقيمها , فنرى بعض اللوحات جميلة و الاخرى لا , بينما يرى الآخر عكس ما تراه انت ؟؟
الاطراء و الضجيج :
هل العمل الفني يحتاج الى اطراء و مدح و تفسير و شرح ؟ ام ان العمل الفني هو ينطق عن نفسه و يتكلم و لا يحتاج الى تفسير الآخرين ؟ وهل ان اللوح تحتاج الى ان نكتب عليها عنوان ؟. اليوم اصبحت المتاحف تعير الزوار اجهزة صوتية صغيرة تساعد على توضيح وشرح الاعمال الموجودة في المتحف او هناك مرشدين يقومون بذلك الدور .. ولكن هل كل الزوار يتفقون مع ما جاء في تلك الاجهزة من شروح و تفسير ؟ .. انا اعتقد ان كل ما في الامر هو تعريف بسيط عن ظواهر الاعمال وليس عن جواهرها و كذلك التعريف بالفنان , و ربما تكون هذه التعليقات هي من وجهة نظر احادية … ؟ و اتذكر قصة طريفة حدثت لاحد الفنانين الكبار و ربما هو الفنان الانكليزي بليك حيث كتب عن اعماله شرحا و تفسيرا مطولا , فعندما قرأ ذلك تعجب و قال : هذه ليست مقاصدي ؟؟ و اتذكر قول للفنان المفاهيمي تابيس ( ان اللوحة هي التاريخ ) ولهذا القول تفسيرات و معاني و تأويلات كثيرة و جليلة .. حتى احيانا نجد ان الفنان يعجز عن تفسير اعماله , فهي متأتية من خلفيات و جذور تاريخية عميقة ..
اليوم نجد ظاهرة الاطراء و المديح تباع و تشترى بعيدا عن حقيقة الاعمال الفنية و انجازات ذلك الفنان .ولهذ فان العمل الفني الاصيل و الفريد لا يحتاج الى شرح فهو ينطق عن ذاته , اما المتشابهات و المستنسخات و التقليدات و ما اكثرها فهي تحتاج الى ضجيج … .؟. و لو تأملنا اللوحة بهدوء لاستطاعت هذه اللوحة ان تقول لنا شيئا و لنطقت بمشاعرها و روحها ما يعادل آلاف كلمات الاطراء و المديح , ولهذا من الافضل ان تترك الاعمال هي تتكلم عن نفسها وحدها . ( فلتكن اعمالكم تسبق اقوالكم )..