ما قبل الوقوع.. خاطرة وجدانية …بقلم صبا أحمد المصطفى

ما قبل الوقوع …
تلكَ البلادُ القابعةُ خلفَ كلِّ أشكالِ الحياة
وتحديدًا بينَ ركامِ الحرب….
الساعةُ الرابعةُ تجاوزها ما يقاربُ ال ١٧ دقيقةً، كانَ البردُ كافياً لأن يَلتهمُ طَاقتنا ويَأوي في أجسَادِنا ضَيفاً ثقيلاً، وكانَت الغُيومُ تعتصرُ نفسَها لتُفرِغَ حِملَ سنَواتٍ مَديدة على هذهِ الأرض، أظنُّ ذلك كانَ كفيلاً ليجعلَ الأرضَ تَرتجف.
الزلزال…⚡
تَحركَت الأرضُ معلنةً رغبَتها في الإنسحابِ مِن فرطِ العَناء، أظنُّها لم تَعُد تَحتمل ثِقلَ أجسَادِنا المُثخَنةِ بالجِراح والألم، كانَ الصَريخُ يَدوي في كلِّ مَكانٍ ولا صَوتَ يَعلو غَير المَوت، أبنيةٌ تفترسُ سَاكِنيها وتُخفي مَعالِمهُم في رُكامِها، وأنَاسٌ كُثر يَفتَرشونَ السَاحات والشوارع المليئةِ إلا بالأمان، كانَ كلُّ ذلكَ في غُضونِ لحظات، لا شيءَ معلومٌ أو واضحٌ سوى الخوف الَذي يَستوطِنُ وجُوهُ الجَميع، كانت الأرضُ تستقرُ لتَزرعَ في نُفوسِنا فِكرةَ أن الكَارثةَ انتهَت عِندَ حَدِها هذا، ثمَ تَخذُلَنا باهتزازِها مُجددًا لتُميتَ ما بقيَ فِينا من قوة.
عقب وقوعِ الكارثة….
المشهدُ ذاته يعيدُ نَفسهُ، المشهدُ الذَي اعتَدنَاهُ وما ألفناهُ يوماً، مشهدُ الحربِ اللعينةِ التي لم يَكن أحدٌ فيها فائِزاً، المنتصرُ مَن نَجا بعددِ عائِلتِه كاملاً، أبنيةٌ خَارت قِواهَا فَجَثت تُعلنِ الإستسلام، فِرقُ الإنقاذِ تحاولُ انتشالَ العالِقين ولا دَليل فِي جُعبَتِهم سِوى صَوتُ الأنينِ الصادرِ منَ الأنقاض، كانَ الجميعُ يتهافتُ لتقديمِ العون
وحشودٌ قَطعوا أميالاً حامِلينَ أرواحَم على كُفوفِهم لا يَعتنقُونُ شيئاً غيرَ الإنسانية، وأشخاصٌ مَكلومون ينتظرون إخراجَ عَوائِلهم أحياءً كانوا أم جثثاً…
كان شكرُ الله يَعلو مع كل حيِّ يُبصرُ النور، وحَمدُ الله والنحيب يَصدح مع كُلِ جُثةٍ لم يُكتب لها البقاء، كَانت الناسُ تعدُّ الخَسائرَ ولا تَكاد تَحصيها…
كانَ الوقتُ يَمرُّ، ومَع كُل دَقيقة تَتلفظُ بها عقاربُ الساعة تُمسي احتمالات النَجاة أقل، وفُرصُ الحياةِ معدومة…
زلزالٌ واحدٌ وفي وقتٍ قصيرٍ كان كفيلاً لإشغالنا أياماً في عدِّ موتانا، وسنيناً في تسطير قصصِ المُعاناة والفَقد التي لَن تَخمد أبداً.
لله مصابنا، لله أوجاعنا، لله نحن وإليه نعود.
خاطرة وجدانية
صبا أحمد المصطفى 🖋️