التهويدة … بحث فني بقلم سعد عبد الغفار

بحث فني

الغناء جزء من حضارة الشعوب وتاريخها الثقافي الذي تتوارثه الاجيال يحمل مزيجا بين الكلمات والالحان التي ترتبط بعادات وثقافات البلاد وتعبر عنها وتعتبر اغنية ما قبل النوم طقسا موسيقيا تمارسه الشعوب كل بطريقته وهي اغنية تغنيها الام حين تهدهد طفلها لتهيئته للنوم تعرف بالتهويدة او اغنية المهد
ولكل ام اغنية خاصة بها فريدة من نوعها تختلط فيها مشاعر الحب والحنان وهي تضم صغيرها بين ذراعيها لتترك داخله شعورا بالطمانينة والامان فيغفو تاركا خلفه علامات التعب والانهاك بعد يوم طويل
اغاني مصر
تختلف اغاني المهد من شعب لاخر على الرغم من تشابه موضوعاتها في بعض الاحيان ويكمن الاختلاف في بعض اللهجات اذ تغني الامهات المصريات الاغنية الشهيرة نام يا حبيبي نام وادبحلك جوزين حمام كما يغني بعضهن ننه ننه هو مع مد حرف الواو لهدهدة الطفل وتحريكه برفق والغريب ان تلك الاغنية لا تعرف معانيها الحرفية وقد انتشرت قبل عقود رغم بساطة كلماتها واصبحت سرا بين الام وطفلها وقت نومه
وفي لبنان كانت اغنية فيروز ترنيمة الام لطفلها يلا تنام ريما يلا يجيها النوم يلا تحب الصلاة يلا تحب الصوم ياللا تجيها العوافي كل يوم بيوم لتربط الام صغيرها بحب الصلاة والصوم لكن المقطع التالي من الاغنية هو الذي اشتهر اكثر وانتشر في بلاد المشرق العربي يلا تنام يلا تنام وادبحلا طير الحمام روح يا حمام لا تصدق بضحك على ريما تاتنام ويمكن تغيير ريما باسم
اي طفل
وتكرر وجود طير الحمام في فلسطين حيث غنت الامهات يلا تنام يلا تنام واهديلك طير الحمام روح يا حمام لا تصدق بغنيله حتى ينام شعره نازل على جبينه روحي وعمري بهدي له
اما تهويدة السودان فجاءت الكلمات على لسان الطفل الذي يحدث والديه ماما وبابا حبوني وانا خبيتهم في عيوني حصاني كبير وبجري شديد وانا من فوقه كاني امير اخش الجامعة وابقى وزير
يقرأه الاخرون
بينما تدندن الامهات في المغرب باغنية نيني يا مومو والتي تطلب فيها الام من صغيرها ان ينام حتى ينضج العشاء وان لم ينضج فلينم حتى ينضج عشاء الجيران لتعده الام بوجود طعام حينما يستيقظ من نومه نيني يا مومو حتى يطيب عشانا ولا ما طاب عشانا يطيب عشا جيرانا
وغنت الام الجزائرية لطفلها نني نني يا بشة كل عصفورة في العشة نني نني ليكي نغني تكبر بنتي وتتمشى
وفي تونس تتغزل الامهات بجمال اطفالها وزوجها نني نني جاك النوم امك قمرة وابوك نجوم وانت تميرة في عرجون وحويتة في بحرها تعوم يا هليل في اول يوم
في العراق
وعلى عكس كلمات اغاني المهد البسيطة والحالمة جاءت التهويدة العراقية بمشاعر الحزن والحنين حينما عبرت الام لوليدها عن فراق الاحباب وخاصة اذا كان الاب غائبا وكيف تتوهم عند سماع صوت الرياح ان حبيبها قد عاد اذ تغني دللول يالولد يا بني دللول يمه عدوك عليل وساكن الجول يمه ھب الھوى واصطكت الباب ترى حسبالي يا يمه خشت احباب
اما في بلاد الحجاز فيظهر تاثير وجود الاماكن المقدسة في مطلع التهويدة التي جاءت في صورة قصة
دوها يادوها والكعبة بنوها وزمزم شربوها سيدي سافر مكة جب لي زنبيل كعكعة والكعكة في المخزن والمخزن مالو مفتاح والمفتاح عند النجار والنجار يبغى الفلوس والفلوس عند السلطان والسلطان يبغى المناديل والمناديل عند الصغار والصغار يبغوا الحليب والحليب عند البقرة والبقرة تبغى الحشيش والحشيش فوق الجبل والجبل يبغى المطرة والمطرة عند ربي ياربي حط المطرة يا مطرة حطي حطي
وفي النهاية ستبقى مثل هذه الاغاني والتهويدات ارثا ثقافيا يتناقله الخلف عن السلف وستحدث عليها بعض التطويرات التي تتناسب مع التغيرات المتلاحقة في مختلف المجتمعات وقد تختلف بعض الكلمات لكن لن يختفي هذا الفن التراثي الاصيل مهما تقادم الزمن .
سعد عبد الغفار
المصادر :
مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية
مجلة الموسيقى العربية
الكاتبة سارة جمال