تطور الموسيقى العربية.. مقال بقلم الاستاذ سعد عبد الغفار

بحث موسيقي
تطور الموسيقى العربية
الموسيقى العربية تمتد جذورها الأصيلة إلى آلاف السنين التي سبقت الميلاد وكان الاعتقاد السائد عند الكثيرين من الباحثين أن الموسيقى العربية إغريقية الأصل أو فارسية ، وذلك لأنهم كانوا يحددون تاريخها من العصر الجاهلي حيث كانت الحضارات الإغريقية والفارسية في عنفوانها ، غير أن تقدم علم الآثار في العصور الحديثة وما كشفت عنه الحفريات قد أنار الطريق أمام التاريخ الموسيقي وغير الأفكار بالنسبة لمعرفة التدرج الحضاري في العالم تغييرا جذريا ، إذ اتضح أن الموسيقى العربية لا ترجع بدايتها إلى ذلك العصر المسمى بالعصر الجاهلي ، بل ترجع إلى أبعد من ذلك بكثير ، فهناك في الوطن العربي بما يزيد على ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد نجد على ضفاف النيل شعبا يتمتع بحضارة موسيقية ناضجة ، آلاتها قد جاوزت دور النشوء وبدت تامة كاملة سواء في تلك الآلات الإيقاعية أم آلات النفخ أم الآلات الوترية ، وبينما الشعب المصري يرسل أغنياته على شاطئ نيله السعيد ، نجد على ضفاف الرافدين وفيما حولها نهضة موسيقية عالية فياضة هي في حضارات بابل وآشور التي شملت فيما شملت شعوب الكنعانيين والفينيقيين والحيثيين ، وتلاقت تلك النهضة الموسيقية وامتدت ظلالها حتى شملت غرب آسيا وشمال أفريقية ، وظلت هذه الشعوب على اتصال وثيق دائم بعضها ببعض مما جعل التاريخ يسجل لها حضارة موسيقية موحدة الطابع وإن تنوعت في صورها وتعددت في لهجاتها ، حتى لنجد أنه أصبح مما يجري عليه العرف أن يكون في بلاط ملك مصر منذ ابتداء الدولة الحديثة حيث الأسرة الثامنة عشرة فرقتان موسيقيتان إحداهما من أبناء مصر والأخرى من أبناء آسيا كما نرى في عهد تلك الدولة أيضا المغنية المصرية ( تنتنون ) تعمل على نشر الحضارة المصرية في سوريا عن طريق الغناء ، وفي ذلك الحين نرى التجاوب وثيقا في نواحي الموسيقى المختلفة حيث يقع المزج والتبادل والتقارب الفني بين شعوب هذه البلاد ، ثم تمتد الأضواء وتتسع الرقعة فتطالعنا من الشرق مدينة فارسية ، ونستقبل من الغرب مدينة إغريقية ، وقد تفاعلت موسيقات جميع هذه الحضارات وترابطت بحكم الجوار والغزو وتبادل العلماء والفنانين والجواري والقيان ، وتاثرت كل منها في الأخرى تبعا لما يحيط بها من ظروف وما يتحكم فيها من أحوال ، وانتقلت الأغاني والآلات الموسيقية بينها حتى شكلت من تنوعها واختلاف ألوانها وحدة فنية ، وسجل التاريخ هذه الحقيقة ، ويقول هيردوت المؤرخ الإغريقي إنه يسمع أغاني مصر ، أغنيات صارت فيما بعد أغاني شعبية في بلاد اليونان ، أما بالنسبة للآلات الموسيقية التي كانت متواجدة في العصر الجاهلي فهي تتوزع ما بين الآلات الإيقاعية ( الطبل والدف والصنوج والجلاجل ) وآلات النفخ ( المزمار بأنواعه ) كذلك أخبرنا الفارابي عن وجود آلات وترية في العصر الجاهلي ويتمثل ذلك في الطنبور والعود والمزهر ( عود ذو وجه من الجلد ) والموتر والبربط ( العود الفارسي ) ان صناعة فن النغم والألحان تأثرت منذ ظهور الإسلام بالموسيقى الفارسية والتركية والمصرية لذلك فهي تشترك مع الموسيقى الشرقية من حيث المبدأ وتتصل اتصالا وثيقا بجنس الإيقاع الموزون ، والعرب القدماء هم أول من استنبط الأجناس القوية في ترتيبات النغم ، وقد قام الفارابي بتأليف كتاب الموسيقى الكبير الذي تضمن الأسس والقواعد الموسيقية التي يسير على نهجها الموسيقيون العرب حتى يومنا هذا ، وتعتبر المقامات الموسيقية هي الأساس اللحني والنغمي للموسيقى العربية وهي تميز بالطبقات الصوتية أو الات العزف ولا تتضمن الإيقاع وكان أول ظهور للموشحات في الأندلس التي كانت أداوره متصلة بالنغم والإيقاع ، وقد تطورت الموسيقى في البيئة الأندلسية من خلال ظهور موسيقيين متميزين مثل زرياب الذي أضاف الوتر الخامس للعود
كما تاثرت الموسيقى العربية بالموسيقى الغربية قبل منتصف القرن العشرين وظهر موسيقيين متميزين مثل : سيد درويش ومحمد عبد الوهاب ورياض السنباطي وفريد الاطرش ومحمد فوزي والاخوين رحباني … وغيرهم ، وازداد هذا التاثر فترة التسعينيات بالموسيقى الغربية حيث مزج الملحنون العرب بين ما هو شرقي وما هو غربي في الكثير من الحانهم .
المصدر :
مجلة الموسيقى العربية ( من خلال اعتماد المعلومات المنشورة في بعض الاعداد الصادرة منها والتي تناولت هذا الموضوع بشكل موسع )
سعد عبد الغفار